كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلمونَ} [آل عِمْرَان: 102]، وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام، والمداومة على الطاعة لأجل ذلك. انتهى.
الحادي عشر: قال الرازي: قال بعضهم: هذه الآية، أي: {لاَ تَقْرَبُواْ} إلخ منسوخة بآية المائدة، وأقول: الذي يمكن ادعاء النسخ فيه أن يقال: نهى عن قربان الممدود إلى غاية، يقتضي انتهاء ذلك الحكم عند تلك الغاية، فهذا يقتضي جواز قربان الصلاة مع السكر إذا صار بحيث يعلم ما يقول، ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر بآية المائدة، فقد رفع هذا الجواز، فثبت أن آية المائدة ناسخة لبعض مدلولات هذه الآية، هذا ما حضر ببالي في تقرير هذا النسخ.
والجواب عنه: أنا بيّنا أن حاصل هذا النهي راجع إلى النهي عن الشرب الموجب للسكر عند القرب من الصلاة، وتخصيصُ الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه إلا على سبيل الظن الضعيف، ومثل هذا لا يكون نسخًا. انتهى.
{وَإِن كُنتُم مّرْضَى} أي: ولم تجدوا بقربكم ماء تستعملونه، ومنه فَقْدُ من يناوله إياه، أو خشيته الضرر به.
{أَوْ عَلَى سَفَرٍ} لا تجدونه فيه.
{أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّن الْغَائِطِ} أي: أو كنتم محدثين، والغائط هو المكان المنخفض، فالمجيء منه كناية عن الحدث، لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليواري شخصه عن أَعْيَن الناس.
قال الخازن: كانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث، فكنوا به عن الحدث، وذلك أن الرجل منهم، كان إذا أراد قضاء الحاجة، طلب غائطًا من الأرض، يعني مكانًا منخفضًا منها يحجبه عن أَعْيَن الناس، فسمي الحدث بهذا الاسم، فهو من باب تسمية الشيء باسم مكانه. انتهى.
وإسناد المجيء إلى واحد مبهم من المخاطبين دونهم، للتفادي عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به، كذا قاله أبو السعود.
ثم قال: وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عز وجل: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاء} على التصريح بالجماع، قال الشهاب: وفي ذكر (أحد) دون غيره إشارة إلى أن الإِنسَاْن ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه.
{فَلم تَجِدُواْ مَاء} قال المهايمي: أي: فلا تستحيوا من الله، بل اعتذروا إليه.
{فَتَيَمّمُواْ} أي: اقصدوا: {صَعِيدًا} أي: ترابًا، أو وجه الأرض.
{طَيّبًا} أي: طاهرًا.
{فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَفُوّا غَفُورًا} تعليل للترخيص والتيسير، وتقرير لهما، فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين، لابد أن يكون ميسرًا لا معسرًا، وفي هذه الآية مسائل:
الأول: الظاهر أن قوله تعالى: {فَلم تَجِدُواْ} راجع إلى جميع ما قبلها وحينئذ لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء، وأما ما قيل أنه راجع إلى قوله تعالى: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاء} لأنه قد وجد المانع هاهنا من تقييد السفر والمرض، بعدم الوجود للماء، وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل في غير هذا الموضع كالصوم- فلا يفيد، لأن عدم الوجود معتبر فيهما لإباحة التيمم قطعًا، إذ ليس السفر بمجرده مبيحًا، وكذلك المرض.
وأما ما يقال من أنه قد يباح للمريض التيمم مع وجود الماء إذا خشي الضرر به، فعدم الوجود في حقه إذن غير قيد، فالجواب: أن هذا داخل تحت عدم الماء لأن من تعذر عليه استعماله هو، عادم له، إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع، فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر، يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه، فهو عادم له، وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء، وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له، ولئن سلمنا، تنزلًا، أن المراد مطلق الوجود فنقول: المدعي أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء، وليس فيه دلالة على منعه من التيمم عند وجوده لعارض يمنعه من الماء.
فإن قيل: من أين تستدلون حينئذ على إباحة تيممه؟ قلنا: من التحقيق الذي ذكرناه وهو أن المتعذر استعماله معدوم شرعًا وكذا من قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: من الآية 29] وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التّهْلُكَةِ} [البقرة: من الآية 195]، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: من الآية 78].
ومما أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارقطني من حديث جَابِرٍ رَضِي اللّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنّا حَجَرٌ فَشَجّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التّيَمّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى النّبِي صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللّهُ، أَلاّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنّمَا شِفَاءُ الْعِي السّؤَالُ، إِنّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمّمَ وَيَعْصِرَ- أَوْ: يَعْصِبَ- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمّ يَمْسَحَ عَلَيْهَ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ».
ومما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم والدارقطني عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السّلاَسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ، أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمّمْتُ ثُمّ صَلّيْتُ بِأَصْحَابِي الصّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا عَمْرُو! صَلّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ». فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاِغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنّي سَمِعْتُ اللّهَ يَقُولُ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فهذا وما قبله يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر.
قال مجد الدين ابن تيمية: في حديث عَمْرو، من العلم، أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة. انتهى.
وقد روى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مّرْضَى} قال: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضًا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن كثير: هذا مرسل.
الثانية: ما يصدق عليه مفهوم عدم الوجود المقيد بالقيام إلى الصلاة، هو المعتبر في تسويغ التيمم، كما هو الظاهر من الآية، لا عدم الوجود مع طلب، مخصوص، كما قيل: إنه يطلب في كل جهة من الجهات الأربع في ميل، أو ينتظر إلى آخر الوقت حتى لا يبقى إلا ما يسع الصلاة بعد التيمم؟ إذ لا دليل على ذلك، فإذا دخل الوقت المضروب للصلاة، وأراد المصلي القيام إليها فلم يجد حينئذ ما يتوضأ به، أو يغتسل في منزله أو مسجده، أو ما يقرب منهما، كان ذلك عذرًا مسوقًا للتيمم، فليس المراد بعدم الوجود في ذلك أن لا يجده بعد الكشف والبحث وإخفاء وإحفاء السؤال، بل المراد أن لا يكون معه علم أو ظن بوجود شيء منه هنالك، ولم يتمكن في تلك الحالة من تحصيله بشراء أو نحوه.
فهذا يصدق عليه أنه لم يجد الماء عند أهل اللغة، والواجب حمل كلام الله تعالى على ذلك، مع عدم وجود عرف شرعيّ، وقد وقع منه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ما يشعر بما ذكرناه، فإنه تيمم في المدينة من جدار.
كما ثبت ذلك في الصحيحين من دون أن يسال ويطلب، ولم يصح عنه في الطلب شيء تقوم به الحجة، فهذا، كما يدل على وجوب الطلب، يدل على عدم وجوب انتظار آخر الوقت، ويدل على ذلك حديث الرجلين اللذين تيممًا في سفر ثم وجدا الماء، فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر: فقال صَلّى اللهُ عليّه وسلّم للذي لم يعد: «أصبت السنة»، أخرجه أبو داود والحاكم وغيرهما من حديث أبي سعيد، فإنه يردّ قول من قال بوجوب الانتظار إلى آخر الوقت على المتيمم، سواء كان مسافرًا أو مقيمًا، كذا في [الروضة الندية].
الثالثة: دلت الآية على أن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم، طال سفره أو قصر.
الرابعة: قرئ في السبع (لامستم ولمستم) والملامسة واللمس يردان، لغةً، بمعنى الجس باليد، وبمعنى الجماع، قال المجد في [القاموس] لمس يلمِسه ويلمُسه: مسّه بيده، والجارية جامعها، ثم قال: والملامسة المماسة والمجامعة.
ومن ثمة اختلف المفسرون، والأئمة في المعنيّ بذلك هنا، فمن قائل بأن اللمس حقيقةٌ في الجس باليد، مجازٌ في غيره، والأصل حمل الكلام على حقيقته لأنه الراجح، لاسيما على قراءة {لمستم} إذْ لم يشتهر في الوِقَاع كالمُلامسة، وروي عن ابن مسعود من طرق متعددة أنه قال: الملامسة ما دون الجماع، وعنه: القبلة من المس وفيها الوضوء، رواهما ابن جرير.
وروى الطبراني بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال: يتوضأ الرجل من المباشرة، ومن اللمس بيده، ومن القبلة، وكان يقول في هذه الآية: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاء} هو الغمز.
وروى ابن جرير عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللّماس.
وذكر ابن أبي حاتم أنه روي عن كثير من التابعين نحو ذلك، قالوا: ومما يؤيد بقاء اللمس على معناه الحقيقي قوله تعالى: {وَلَوْ نَزّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلمسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: من الآية 7]، أي: جسّوه، وقال صَلّى اللهُ عليّه وسلّم لماعز، حين أقر بالزنى، يعرّض له بالرجوع عن الإقرار: «لعلك قبلت أو لمست»؟.
وفي الحديث الصحيح: «واليد زناها اللمس».
وقالت عائشة: قلّ يوم إلا ورسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يطوف علينا، فيقبل ويلمس.
ومنه ما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم نهى عن بيع الملامسة، وهو يرجع إلى الجس باليد.
واستأنسوا أيضًا بالحديث الذي رواه أحمد عن معاذ؛ أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا أتاه منها غير أنه لم يجامعها، قال فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَأَقِمِ الصّلاةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللّيْلِ} [هود: من الآية 114] الآية، قال: فقال له النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «توضأ ثم صل»، قال معاذ: فقلت: يا رسول الله! أنه خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال: «بل للمؤمنين عامة».
ورواه الترمذيّ وقال: ليس بمتصل، والنسائي مرسلًا، قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها.
ومن قائل: إن المعنيّ باللمس هنا الجماع، وذلك لوروده في غير هذه الآية بمعناه، فدل على أنه من كنايات التنزيل، قال تعالى: {وَإِنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [البقرة: من الآية 237]، وقال تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ المؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [الأحزاب: من الآية 49]، وقال في آية الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا} [القصص: من الآية 3].
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: {أَوْ لَمَسْتُمُ النّسَاءَ} قال: الجماع.
وروى ابن جرير عنه، قال: إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع، ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء، وقد صح من غير وجه عن ابن عباس أنه قال ذلك، وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره، لاستجابة دعوة الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فيه بتعليمه تأويل الكتاب، كما أسلفنا بيان ذلك في مقدمة التفسير، ويؤيد عدم النقض بالمس ما رواه مسلم والترمذيّ وصححه عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
وروى النسائي عن عائشة- رَضِي اللّهُ عَنْهَا- قالت: إن كان رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ليصلي وإني لمعترضته بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسّني برجله.
قال الحافظ ابن حجر في [التلخيص]: إسناده صحيح، وقوله في [الفتح]: يحتمل أنه كان بحائل أو أنه خاص به صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، تكلف، ومخالفة للظاهر.